شهد مجلس التعاون الخليجي (GCC) نمواً هائلاً خلال العقود القليلة الماضية نظراً للوفرة الكبيرة من احتياطيات النفط والغاز في المنطقة. كما لعبت حكومات هذه البلدان دوراً رئيسياً في تنويع الاقتصادات من خلال زيادة الإنفاق في قطاعات أخرى غير النفط والغاز. وقد خلق هذا بيئةً واعدةً لنمو العديد من مختلف الأعمال.

ومن الصناعات التي ركزت الحكومات على نموها في محاولة منها لتنويع الاقتصادات هي صناعة الخدمات اللوجستية، وخاصة في المملكة العربية السعودية وتماشياً مع رؤيتها الطموحة 2030، مما أتاح ذلك فرصاً هائلة لهذه الصناعة.

  1. الفرص:

يتلقى قطاع الخدمات اللوجستية دعماً هائلاً من الحكومات في منطقة مجلس التعاون الخليجي. ويتم تحقيق هذا الدعم من خلال الاستثمار في البنية التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية والبحرية والمطارات ومناطق الخدمات اللوجستية، وإنشاء نظام بيئي لوجستي سليم من خلال وضع قواعد وأنظمة جديدة لأصحاب المصلحة المعنيين بحيث لا يُترك مجالاً للغموض فيما يتعلق بالالتزام التعاقدي وزيادة مستوى جودة الخدمة.

أدى نمو الاقتصاد في المنطقة، مع زيادة عدد السكان، إلى زيادة الحاجة إلى الاستثمار في توسيع شبكات النقل. نتيجة لذلك، تم إدخال أنظمة النقل الحضري مثل المترو والشبكات بين المدن مثل السكك الحديدية عالية السرعة. وقد أمكن تحقيق ذلك من خلال العديد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

يتيح الموقع الاستراتيجي لهذه البلدان الوصول إلى مجموعة واسعة من العملاء العالميين. إذ تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 50% من سيارات الأجرة في العالم تصل إلى إحدى هذه البلدان خلال أقل من خمس ساعات عن طريق الشحن.

لذلك، فإن الموقع الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية وبلدان الخليج يربط قطاع الخدمات اللوجستية والنقل بأكثر من 3.5 مليار عميل عالمي محتمل. وهذا يشير إلى الإمكانات التي يتمتع بها هذا القطاع.

  1. التحديات:

يتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصناعة في زيادة عدد المواقع التي يحتاج فيها العملاء إلى الوصول إلى الخدمات، خاصة إذا تحدثنا عن تسليم الميل الأخير مع الأخذ في الاعتبار المساحات الطبيعية الشاسعة وتوقعات العملاء المتزايدة.

وفي حين أن البلدان تسعى إلى تلبية احتياجات النقل بشكل أفضل في مناطقها، فهناك خطر من تكرار الاستثمارات وتداخلها. فعلى سبيل المثال، قد تخصص مختلف البلدان موارد لمعالجة مشكلة معينة تتعلق بالبنية التحتية في احدى المجالات التي يشيع استخدامها فيما بينها. وهذا قد يؤدي هذا إلى ازدواجية الجهود المبذولة، والتي يمكن أن تؤثر سلباً على الصناعة على المدى الطويل.

وعلى الرغم من أن تلك البلدان تعمل نحو امتلاك أفضل بنية تحتية، إلا أن هناك تحدياً يتمثل في زيادة عدد الشاحنات والآلات الأخرى المستخدمة في الصناعة التي يزداد الطلب عليها بصفة مستمرة بشكل يطغى على البنية التحتية الحالية. على سبيل المثال، في بعض مناطق من بعض البلدان، هناك حالات تأخير كبيرة في إصلاح وصيانة الطرق الرئيسية، مما يؤثر على الشركات الكبرى في هذه الصناعة، التي تستخدم تلك الطرق. هناك أيضاً شبكة محدودة من خطوط السكك الحديدية التي تحد من كيفية نقل البضائع الضخمة من نقطة إلى أخرى.

كما يُعدُّ الافتقار إلى الخبرة الكافية في الصناعة تحدياً رئيسياً. إذ لا تنتج صناعة الخدمات اللوجستية في المنطقة ما يكفي من المواهب لمواكبة الطلب المتزايد. ونتيجة لذلك، فإن أداء الصناعة محدود بسبب نقص الخبرة.

  1. المستقبل:

إذا كنا نطمح للارتقاء إلى مستوى متقدم، فإن التعاون والتكيف مع التقنيات الجديدة أمر لا بد من تجسيده في قطاع الخدمات اللوجستية في كثير من الأحيان في المنطقة، ومن الواضح أن هذا الأمر يحتاج إلى زيادة في انشاء القطاعات الخاصة.

أ. التعاون/التنافس: (التعاون بين المنافسين)

تم استخدام مصطلح التعاون (coopetition) في صناعات مثل صناعة السيارات منذ فترة طويلة. وعلى الرغم من أن الشركة المصنعة قد تصنع شيئاً لمنافسٍ ما (شاشات مراقبة مثلاً)، فإنها بذلك تدفع الكثير لكل المعنيين، سواء بالنسبة للمنافس من حيث حصوله على تكلفة أفضل للسلع، أو أن تقوم الشركة المصنعة بخفض تكلفتها الثابتة من خلال استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة، أو لأجل الاقتصاد ككل؛ لأن الكفاءة والاستخدام دائماً ما يؤتيان ثمارهما للمجتمع سواء عن طريق خفض التكلفة على المستهلك النهائي أو عن طريق الفوائد التي تقدمهما لاستدامة البيئة.

وإذا نظرنا إلى شركات الطيران أيضاً، فإننا نجد أنها تطبق نوعا ما من التعاون (coopetition) في شكل تحالفات. لذلك تم استخدام هذا المصطلح من قبل العديد من الصناعات، ولكن لسوء الحظ عندما يتعلق الأمر بالخدمات اللوجستية، فإننا لا نرى سوى القليل من هذا التعاون. لقد رأينا بعض أمثلة التعاون الرائعة من خلال جائحة كوفيد-19، لكنها توقفت مؤقتاً بمجرد أن وصل العرض والطلب إلى مستويات أعلى من التوازن.

تخيل أن 60 عملية تسليم لمربعين سكنيين تتم بواسطة شركة نقل واحدة بدلاً من 12 شركة نقل مختلفة، وتخيل لو رأينا المزيد من الشاحنات يتم تحميلها بالكامل على مدار الشهر لتقوم بعمليات نقل بين مراكز التوزيع والموانئ، فقط تخيل الفوائد التي ستعود على جميع أصحاب المصلحة! إذ يُمكن أن تتراوح هذه الفوائد بين خفض التكلفة على المستهلك النهائي، وتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتحسين الهوامش للشركات الكبرى العاملة في قطاع الخدمات اللوجستية. وبالتالي سيكون التوفيق حليف الجميع!

بالطبع هناك مسائل مثل العلامات التجارية والتدريب وادماج الأنظمة، والتي تحتاج إلى حل يستحق المغامرة.

ب. اعتماد تقنيات جديدة:

على الصعيد العالمي، لدى قطاع الخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد الكثير الأشياء التي ينبغي عليها مواكبتها، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بإدخال تقنيات حقيقية، خاصة إذا قارنا ذلك بقطاعات صناعية أخرى مثل التمويل أو الرعاية الصحية.

هناك بعض المبادرات التي تم تصنيفها على أنها نادرة جداً أو غير قابلة للتطوير، وهنا نتحدث بالطبع عن التقنيات المُزعزعة رقمياً، مثل الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز، والواقع الافتراضي، وسلاسل الكتل، وانترنت الأشياء، وعلم الروبوتات، وعلم البيانات الضخمة. وهي ليست مجرد أنظمة بسيطة أو تخطيط موارد مؤسسات.

وإذا ما تناولنا مثالاً على ذلك، فإننا نجد سلاسل الكتل هي احدى التقنيات المزعزعة رقمياً لأنها توسم مربعين بعلامة حسب تعريفها، وبالتالي فهي أداة منافسة أيضاً.

 الملخص:

الحكومات في المنطقة على استعداد لزيادة الاستثمار في هذه الصناعة. لذلك، سيتسم مستقبل الصناعة أيضاً بزيادة الدعم الحكومي. فمثلاً تخلق الحكومات فرصاً تعليمية للأفراد للدراسة محلياً وخارجياً في محاولة لتعزيز مجموعة المهارات ذات الصلة بهذا القطاع الصناعي. وتقوم الحكومة أيضاً بتخصيص أموالاً لتعزيز البنية التحتية وإنشاء نظام بيئي مستدام من خلال ضمان وجود أنظمة مثبتة لتعقب مختلف العمليات المتضمنة في الصناعة بشكل سريع.

لقد تم ارساء قواعد ولوائح أكثر وضوحاً، وتم إزالة الكثير من الحواجز التي تعيق انشاء الأعمال أو استيراد الشحنات. ويهدف هذا إلى تعزيز مرتبة هذه الصناعة على مستوى العالم من حيث مؤشر الأداء اللوجستي “LPI”، وبالتالي زيادة القدرة التنافسية للصناعة في المنطقة.

إذ أن هناك العديد من التحديات التي تواجه صناعة الخدمات اللوجستية ككل، ولكن مع كل الفرص والمجالات لتحسين مستقبلها، فإن مستقبلها يبدو مشرقاً للغاية.